ربنا لك الحمد كله ولك الشكر كله واليك يرجع الامر كله علانيته وسره واشهد...في سلطانه ولا وزير له في ملكه ولامعين له على خلق ما خلق ولم يخلق خلقه على مثال سبق اشهد ان ان...شهادة نحيا عليها ونموت عليها ونلقى الله بها
طرقت باب الرجا والناس قد رقدوا*وبت اشكوا الى موالاى ما اجد
وقلت يا املي في كل نائبة*ومن عليه لكشف الضر اعتمد
اشكوا اليك امورا انت تعلمها*ما لي على حملهاصبر ولا جلد
وقد ممدت يدي بالذلض*اليك يا خير من مدت اليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة*فبحر جودك يروي كل من يرد
أشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه نتخبه من أشرف القبائل وزينه بأكمل الفضائل، وجعل أتبعه من أشرف الوسائل
يارب بالمصطفي خير الأنام ومن له الشفاعة أنقذنا من الوحل
يارب شفعه فينا يوم تبعثنا فنحن من خوف في غـاية الخجل
يارب اغفر لنا كل الذنـوب به وامنن وسامح فهذا غاية الأمل
اتقوا الله عباد الله واعلموا أنَّ دين الإسلام قد حثَّ على كُلِّ ما فيه أُلْفةٌ ومودَّة, واجْتماعٌ وترابط ونهى عن كلِّ ما يُسبِّب العداوةَ والبغضاءَ, والتنافرَ الْفُرقة ومِمَّا جاء الإسلام بالتحذير منه المراءُ والجدال, ولو كان مع أحدِهما الحقُّ, فإنَّ الخصام يُضيِّعه ويُبطله في الغالب.ولا يعني هذا أنْ يتنازل صاحب الحقِّ عن حقِّه, ويُترَكَ الظالمُ والمعاندُ دون محاسبةٍ وردْع, فإنَّ لِأَخذِ الحقِّ طُرُقًا ليس منها الجدال والخصام, ومن أقرب الأمثلة على ذلك: ما نراه في كثيرٍ من مجالسنا, مِن جدال بعضنا لبعض في أمورٍ تافهة لا مصلحةَ من نتائجها, كأنْ نتجادل في الفريق الفلانيّ, وأنه أفضلُ من الفريق الآخر, أو أنَّ المركب الفلانيَّ أفضلُ من غيره,والنتيجةُ من هذه الْمُناقشات والْمُجادلات: لا شيء سوى تعكير المزاج والخواطر, وإضاعةِ الوقت وإحْداثِ الفرقةِ والعداوة, وإطْلاقِ الألفاظ القاسيةِ والجارحة.ولأجل هذا يا أمة الإسلام- جاءت الشريعةُ الإسلاميَّةُ العظيمة بالتحذير من هذه الْمُجادلات العقيمة, والْمُناقشات الْمُنعدمةِ الفائدة وإليكم هذه الأدلةَ الصحيحة الصريحة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الْجَنَّةِ, لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ومعنى قَوْلِه: وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاء أَيْ الْجِدَال, وذلك خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقَع صَاحِبه فِي الخصام والغضب الْمُسبِّبِ للعداوة والفرقة.وقَوْلُه: وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا أي وإن كان ذا حقٍّ في نفس الأمر؛ وذلك لأنه بعد أن يُرشدَ خصْمَه إلى الحقّ ويأبى خصمُه قبولَه والإذعانَ له، وهو يعرف أنْ خصمه مُعاندٌ لا يقبل الحق, فلا ثمرة ولا فائدة مِن جداله سوى تضييعِ الوقت فيما لا ينفع, وإحداثِ البغضاء والحقدفالنبيّ ضمن وتكفّل لِمَن ترك الجدال والمِراء- وإنْ كان على حقٍّ- طلباً لِمَرْضاةِ الله وسعياً لِلْأُلْفة ونَبذِ الخصومة, ضمن له مكاناً في الجنة, وذلك بأنْ يُثبِّته الله على الدين, ويُجنِّبه الزيغ الضلال جزاءً على فعله العظيم. وتأملوا – معاشر المسلمين- ما جاء في الصحيحين أنَّ رسول الله قال: اِقْرَءُوا الْقُرْآن مَا اِئْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ أَيْ اِجْتَمَعَتْ فَإِذَا اِخْتَلَفْتُمْ, أَيْ فِي فَهْمِ مَعَانِيه فَقُومُوا عَنْهُ قال الحافظ أَيْ تَفَرَّقُوا؛ لِئَلَّا يَتَمَادَى بِكَمْ الِاخْتِلَاف إِلَى الشَّرّ.عن أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله - ونحن نتَمارَى في شيءٍ من الدِّين، فغضب غضبًا شديدًا لم يغضب مثله، ثم انتهرنا، فقال مَهٍ مَهٍ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لا تَهِيجُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَهَجَ النَّارِ ثُمَّ قَالَ أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ ، أَوَلَيْسَ عَنْ هَذَا نُهِيتُمْ ؟ أَوَلَيْسَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا ثُمَّ ذَرُوا الْمِرَاءَ لِقِلَّةِ خَيْرِهِ فَإِنَّ نَفْعَهُ قَلِيلٌ وَيُهَيِّجُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الإِخْوَانِ ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ الْمِرَاءَ لا تُؤْمَنُ فِتْنَتُهُ وَلا تُعْقَلُ حِكْمَتُهُ ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّهُ يُورِثُ الشَّكَّ وَيُحْبِطُ الْعَمَلَفهذا الحديث من أوضح الأدلة والبراهين: في النهي عمَّا يُنفر ويُحدث الخلاف بين المسلمين, فإذا كان قراءةُ القرآن والجلوسُ لسماعه, ومعرفةُ تفسيره ومعناه – وهذا من أعظم العبادات- ينتج عنه اختلافٌ: فإننا نقوم عن هذه العبادة, ولا نستمر في هذه الجلسة التي فيها القراءة والعلم, فكيف بمجالسَ عامةٍ لا يُوجد فيها ذكرٌ ولا قراءةُ قرآن, ويُطرح فيها ما يُسبب الخلاف والتفرقة, من التعرُّض للجماعات أو الأشخاص فهذه المجالس أولى أنْ يُقام عنها وتُترك وتُهجر واعلموا معاشر الْمسلمين- أنَّ مَنْ كان شديداً في جِداله وخِصامه: فهو من أبغض الناس عند الله قَالَ إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ قال العلماء: الْأَلَدّ: هو الشَّدِيد في جِدَالِه وهو الذي كلَّما فُتح بابٌ للجدال كان أسرَعَهم إليه وأقواهم مُجادلةً فيه, بلا بحثٍ وعلمٍ ومعرفة.وهذا هو حال أكثر الناس في مُناقشاتهم وجدالهم, تأتي قضيَّةٌ من القضايا, فيَحْتَدُّ النقاش والجدال ولم يُكلف أحدُهم نفسه أنْ يبحث ويتأكد فيما قاله.فلْنتق الله يا أمة الإسلام, ولْنُبْعِدْ هذه الْمُجادلاتِ عن مجالسنا, فإنَّها هي التي أفسدتها, وأوحشت قلوبَنا ولوَّثتها.وإذا كان لابُدَّ من النقاش والجدال, فلْيكن عن علمٍ ومعرفة, ورفقٍ وتُؤَدة, فقد أمر الله نبيَّه صلى بأنْ يُجادل غيرَه بالتي هي أحسن, وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قال ابن كثيرٍ أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفقٍ ولينٍ, وحسنِ خطاب.نسأل الله أنْ يُعيذنا من الجدال الذي لا نفع فيه, وأنْ يرزقنا الرفق في القول والعمل, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.